أربعون المرحوم

مات (نخلة) إثر مرض عضال أقعده الفراش زهاء سنة تقريباً، تفانت خلالها زوجته في خدمته، حتى أصبحت مضرب مثل في الغربة.
والمضحك حقاً أن الزوجة تمادت كثيراً في تفانيها، لدرجة أصبحت معها تهذي وتصيح:
ـ لماذا تركتني لوحدي يا (نخلة)؟
مَنْ سيغسل رجليك؟
من سيفرك يديك؟
من سيتطلّع عليك.. يا نخلة؟
وما أن تخفّف النسوة حزنها بكلمات حلوة، أو بشربة ماء باردة، حتى تعود إلى سابق عهدها في الندب:
ـ مَنْ سيحضّر زوّادتك؟
مَنْ سينظّف لبّادتك؟
مَن غيري تهمّه سعادتك.. يا نخلة؟
وكانت تشهق وتغيب عن الوعي بعد كلّ نداء (يا نخلة)، فيحسب الجميع أنّها فارقت هذه الدنيا الفانية، مخافة أن (يتبهدل نخلتها) في الآخرة.
ولكي تتوقّف عن صراخها المزعج، اقترب منها خوري الرعيّة، وهمس في أذنها كلمات أضحكتها وأضحكت كل المشاركين في الجنازة، فتمتمت بانشراح:
ـ يخرب ذوقه خورينا.. لقد أضحكني.
وما أن سمعت إحدى جاراتها كلامها هذا حتى غمرتها بحنان بالغ بغية استجوابها، ومعرفة ماذا قال لها الخوري.
ـ ماذا قال لك الأبونا؟..
ـ ابتعدي عنّي.. سيضحك علينا المعزّون.
ـ أريد أن أعرف الآن..
سأخبرك بعد الجنّاز..
ـ أرجوكِ.. أخبريني..
ـ حلّفني أن لا أتكلّم..
ـ ورحمة نخلة.. ماذا قال لك؟
ـ لا تذكري اسم المرحوم..
ـ ماذا قال لك؟
ـ قال لي.. قال لي..
ـ بقّي البحصة.. أسرعي؟
ـ قال لي: توقّفي عن الولولة والبكاء، عندي أحسن من نخلة..
فزغردت الجارة بصوت عال وصاحت:
ـ ألف مبروك..
فتطلّعت بها أرملة المرحوم بخبث زائد وزجرتها قائلة:
ـ عيب.. انتظري حتّى يمرّ أربعون المرحوم!!
الْخُوري بَدُّو يْزَوِّجْنِي
وْزَوْجِي بَعْدُو ما تَخْتَخْ
أَللَّـه ناوِي يِفْرِجْنِي
عَ كَعْبُو الْعَريسْ فَرَّخْ
**