يوسف.. وابنه سامي

نسي يوسف أن يحلق ذقنه في ذلك الصباح البارد، لأنه تأخّر عن موعد استلام سيّارة التاكسي التي يعمل عليها. فصاحب السيّارة لن يرحمه، بل سيسلّمها لسائق آخر، وما عليه سوى الإسراع كي لا يضيع يومه بدون عمل.
ويوسف هذا، مغترب لبناني، هاجر إلى أستراليا منذ عشرين سنة، تزوّج خلالها، ورزقه اللـه ولداً وحيداً، أسمته زوجته على اسم والدها، رغم كونه وحيداً، ومن حقّ أبيه أن يسمّيه على اسم والده، كما جرت العادة، وليس على اسم حميه.
ما هم.. طالما أن الصبي بصحّة جيّدة جداً، جعلته يصارع جميع أولاد الحيّ، ويربح عليهم بالضربة القاضيّة، ممّا سبّب ليوسف مشاكل كثيرة مع الجيران، لا وقت لذكرها.
أكره الأشياء عند يوسف أن يقود التاكسي وذقنه طويلة. لذلك رجع إلى بيته ظهراً، ليأكل ويحلق، فوجد ابنه سامي راكباً الدرّاجة في الشارع، بدلاً من أن يذهب إلى مدرسته، فصاح به:
ـ لماذا لـم تذهب إلى المدرسة يا سامي؟
ـ لأنني مريض..
ـ مريض.. وتركب الدرّاجة في الشارع؟
ـ أنا حرّ..
ـ أنت ماذا؟
ـ حرّ..
ـ ماذا تقول يا صبي.. أنت حرّ؟
ـ أجل.. وأمي هي التي قالت لي: خذ درّاجتك واركبها في الشارع..
ـ تعال معي.. سأوصلك إلى المدرسة.
ـ لا أريد أن أذهب إلى المدرسة.. أفهمت؟
ـ عد إلى هنا يا صبي.. لا تهرب منّي..
ـ حلّ عنّي.. أريد أن ألعب..
ـ إمشِ قدّامي إلى المدرسة..
ـ ماما.. ماما.. اركضي عليّ.. أبي يريد أن يضربني.
ولشدة ما كان صراخه عالياً، أطلّت أمّه من شبّاك الشقّة وصاحت:
ـ ما بك يا سامي؟
ـ أبي يريد أن يضربني.
ـ ولماذا يريد أن يضربك؟
ـ لست أدري..
ـ هكذا بدون سبب؟
ـ أجل يا ماما..
ـ خذ هذه الخمسين سنساً، واتصل بالبوليس، وقل له أن والدي يريد أن يضربني..
لـم يصدّق الوالد ما سمع بأذنيه، فهزّ رأسه بألـم شديد، وركب التاكسي، وقفل عائداً إلى عمله، كي يؤمّن مستقبلاً مشرقاً لابنه الوحيد، الذي كاد هو وأمه أن يدخلاه إلى بيت خالته، كما يسمون السجن.
**