الشوفير الموسيقار

من الخبريات التي لا أنساها تلك التي حدثت معي أثناء تعلّمي قيادة السيارات، على يديّ أحد مطربي الجالية العربية في سيدني، المعروف جداً جداً في سبعينات القرن الماضي.
فلقد كان أخونا الموسيقار يسمعني طوال الساعة المخصصّة لتلقيني بعض دروس القيادة، آخر ألحانه المبتكرة، متناسياً أنني أدفع له ما فتح ورزق من أجل الحصول على رخصة القيادة. والطامة الكبرى أنه كان يلجأ إلى الغناء عند كل استفسار أطرحه عليه، فإذا سألته مثلاً:
ـ ماذا تعني هذه الإشارة المنصوبة على حافّة الطريق؟
كان يجيبني بكلمات مموسقة وملحنة:
ـ وقفْ.. وقفْ أُوعا تزيحْ
خلي دواليبكْ عَ الزِّيحْ
انْ شافكْ بوليسْ
يا أحلى عريسْ
بظبطو بيزتك بالرِّيحْ
وذات يوم كانت حركة السير في أنحس أوقاتها، فاحترت ماذا أفعل: أأمشي أم أتوقّف؟ أأسرع أم أخفّف السرعة؟ لأن إبرة الحرارة كانت قد تجاوزت الخط الأحمر، وجناب المطرب (الشوفير) غير عابىء بما أعاني منه، فسألته بحدّة:
ـ السيارة حامية، والدخان يتصاعد من الموتور، وأنت تطبّل وتغني، فماذا تريدني أن أفعل؟
فأجابني، كعادته، بأغنية، عزف موسيقاها على زجاج الشبّاك:
أنا عندي سيَّاره
ما بتدخِّن سيكاره
لمِّنْ بتسوقْ
والسِّير معجوقْ
بدَّكْ نتفة شَطَارَه
ولكي يكتمل اللحن ترك العزف على الشبّاك، وانتقل إلى رجلي اليسرى، فخبطني عليها خمس خبطات موجعة، سمعنا بعدها خبطة في السيّارة، كادت تميتنا من شدّة الخوف، فصاح أخونا:
ـ ما هذا.. لقد فقعت السيّارة؟!
عندئذ، أطلقت العنان لحنجرتي، غير عابىء بشماتة محمد عبد الوهّاب، ولا بتهديدات وديع الصافي، ولا باشمئزاز صباح فخري، لأن الكيل قد طفح معي، والحالة لـم تعد تطاق، فغنيت، كما لـم أغنِّ من قبل، وأنا أطبّل على رأس معلّمي الموسيقار:
ـ فقعتْ منْ صوتكْ.. تخمينْ
مشْ عم يعجبْها التّلحينْ
معبَّاها بالحيق وزيقْ
ومفضَّاها مْن البَنزينْ
**